بين مذابح إسرائيل ومطالبات بتحقيق دولي.. «دماء أهل غزة لا تجف»| تقرير

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قصصٌ كثيرة بلا راويٍ عن أشخاص قتلوا بدمٍ بارد.. ومذابحٍ أرتكبت بحق أشخاص لن يبصروا النور مرة أخرى.. لتظل أرواحهم تطوف بمكان استشهادهم في قطاع غزة، ولا تبحث سوى عن كلمة لم يعد يعرفها العالم.. «العدل».

اقرأ أيضًا: 200 يوم من حرب غزة | «إدانة ثم تعاطف أجوف».. كيف تغير رد فعل العالم؟

أكثر من 500 جثة مجهولة الهوية تم اكتشافهم حديثًا في مقابر جماعية بالقرب من مجمعي ناصر والشفاء الطبيين أثاروا ذعر العالم خلال الفترة الماضية، خاصة مع ورود تقارير تفيد بأن الجثث قد تكون تعرضت للتعذيب الجسدي وأنهم وجدوًا مكبلي الأيدي ويرتدي بعضًا منهم ملابس موحدة اللون، مما لا يشير فقط لجرائم الإعدام في ساحات علنية، بل ما يصبو لتطهير عرقي من جانب الاحتلال الإسرائيلي لمدنيي القطاع.

قطاع غزة.. الشهداء في مكان

في 22 ابريل الماضي، أعلن الدفاع المدني الفلسطيني، أنه أخرج على مدار ثلاثة أيام فقط نحو 200 جثة لأشخاص قتلتهم القوات الإسرائيلية ودفنتهم في مقابر جماعية في مجمع مستشفى ناصر الطبي في مدينة خان يونس.

اقرأ أيضًا: انفوجراف| مسئولون استقالوا من إدارة بايدن بسبب «غزة»

وفي تصريحات للمتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل، لوكالة الأنباء الفرنسية، قال، إن جهود الدفاع المدني مازالت مستمرة، وأن الطواقم تنتشل كل يوم جثثا جديدة.

وتابع أنه «تم التعرف على عدد من الشهداء من قبل عائلاتهم، وبدت على آخرين علامات التحلل ولذلك يوجد صعوبة في التعرف عليهم.»

وحتى يوم 26 ابريل،  تضاعف عدد الجثث المكشفة ليصل إلى 400 جثة من ثلاثة مقابر تم اكتشافها تباعًأ بالقرب من مجمع ناصر الطبي، الأولى أمام المشرحة والثانية خلفها والثالثة شمال مبنى غسيل الكلى.

وفي تصريحات أخرى لإسماعيل الثوابتة، رئيس مكتب الإعلام الحكومي بغزة،شدد على أن هذه المقابر الجماعية ما هي إلا بداية «حرب إبادة وتطهير عرقي» ضد الشعب الفلسطيني.

حرب غزة .. 3 آلاف مجزرة و120 ألف ضحية

وتابع أن «الاحتلال الإسرائيلي ارتكب أكثر من ثلاثة آلاف مجزرة حتى هذه اللحظة وهناك أكثر من 120 ألف ضحية حتى هذه اللحظة ما بين شهيد وجريح ومفقود».

كما صرح مدير دائرة الإمداد والتجهيز في الدفاع المدني في قطاع غزة محمد المغيّر، 25 إبريل الماضي خلال مؤتمر صحفي إن بعض الجثث كانت «مربوطة اليدين بمرابط بلاستيكية»، مشيرا إلى أن بعض القتلى أيضا كانوا بملابس بيضاء متشابهة.

حرب غزة

وأضاف: «رصدنا أيضا عمليات تكبيل بطرق مختلفة بالحزام ومرابط القماش لبعض الجثامين من الأقدام إلى اليدين، وهذا يدلّ على عمليات تعذيب».

وقال المغيّر إن عمليات البحث وانتشال الجثث استمرت سبعة أيام، ومن الصعوبات التي واجهت الفرق أن دفن بعض الجثث كان على عمق يزيد عن ثلاثة أمتار، وهي طريقة مخالفة لعمليات الدفن المتعارف عليها في قطاع غزة.

وأشار إلى أن «العديد من الجثث تمّ تغيير أكفانها ووضعها في أكفان جديدة زرقاء وسوداء اللون».

أما مستشفى الشفاء الطبي فقد ورد منها عدة تقارير بالعثور على جثث مجهولة الهوية في مقابر جماعية، خاصة بعد تنفيذ إسرائيل لعمليات خاصة داخلها، والحقيقة أن مستشفى الشفاء كانت قد تحولت بكاملها إلى مقبرة جماعية بسبب انقطاع الكهرباء والإمدادات الصحية عنها قبل حتى العثور على المقابر بالقرب منها.

والتقارير التي وردت من مجمع الشفاء الطبي لا تعود فقط للأيام الماضية، بل إلى نوفمبر من العالم الماضي 2023، حيث أوردت تقارير العثور على الأقل على 179 جثة، دفنت بمقابر جماعية، من بينهم 7 أطفال خدج توفوا جراء انقطاع الكهرباء، وفقًا لـ مدير مستشفى الشفاء في غزة محمد أبو سلمية في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية

إسرائيل تُبيد غزة.. والعالم يُطالب بالتحقيق

الحرب على غزة

أثارت كل هذه التقارير ذعر وحفيظة المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان التي طالبت بتحقيقات مفصلة ومستقلة حول حقيقة العثور على هذه المقابر الجماعية في أنحاء غزة التي تعاني من هجمات عنيفة من جانب الاحتلال الإسرائيلي.

فمن جانبه أعرب أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه البالغ إزاء الأنباء التي تفيد باكتشاف مقابر جماعية في عدة مواقع في غزة، بما في ذلك مجمعا الشفاء وناصر. وأكد ضرورة السماح للمحققين الدوليين المستقلين بالوصول إلى هذه المواقع.

وفي تصريحات للصحفيين قال جوتيريش إن الحرب دمرت النظام الصحي في غزة إذ إن ثلثي المستشفيات والمراكز الصحية متوقفة عن العمل والكثير من تلك المتبقية أصيبت بأضرار جسيمة.

وأضاف أن بعض مستشفيات غزة أصبحت تشبه المقابر. وأشار إلى تقارير اكتشاف مقابر جماعية في مجمع مستشفى الشفاء شمال غزة، ومجمع ناصر الطبي في خان يونس بالجنوب الذي أفادت الأنباء باستخراج أكثر من 390 جثة منه.

 وقال إن هناك روايات متضاربة حول العديد من هذه المقابر الجماعية، بما في ذلك مزاعم خطيرة بأن بعض من دُفنوا بها قتلوا بشكل غير قانوني.

وأضاف: «من الضروري أن يُسمح للمحققين الدوليين المستقلين، ذوي الخبرة في الاستدلال العلمي الجنائي، بالوصول فورا إلى مواقع هذه المقابر الجماعية، لتحديد الظروف بالضبط التي فقد فيها مئات الفلسطينيين أرواحهم ودفنوا أو أعيد دفنهم».

وشدد على ضرورة حماية المستشفيات والعاملين الصحيين وجميع المدنيين، واحترام حقوق الإنسان الواجبة للجميع. 



كما طالبت حكومات كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لإجراء تحقيقات مستقلة في ملابسات المقابر المكتشفة، وقال جايك ساليفان، مستشار الأمن القومي بالإدارة الأمريكية، «نريد إجابات... نريد أن يتم إجراء تحقيق شامل وشفاف في هذا الأمر».

وأعربت دول الاتحاد الأوروبي عن قلقها البالغ تجاه المقابر المكتشفة وأدانت الدول العربية ومجلس الخليج المجازر التي تحدث في قطاع غزة «من دون رادع» ووسط «إخفاق للمجتمع الدولي».

ماذا يقول القانون الدولي؟

والمقبرة الجماعية تُعرّف على أنها مقبرة تحتوي على عدة جثث التي تكون غالبا لأشخاص غير معروفي الهوية، ولا يوجد عدد معين من الجثث لاعتبار المقبرة «مقبرة جماعية» إلا أن المقابر الجماعية غالبا ما ترتبط بجرائم الإبادة الجماعية.

ووفقًا لقانون الدولي الإبادة الجماعية هي التدمير المتعمد والمنهجي لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم أو أصلهم، وصُنفت كجريمة دولية في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع سنة 1948 ووضعت موضع التنفيذ 1951 بعد أن صادق عليها عشرون دولة.